روايات كاملة

رواية وعد نزار الفصل الرابع

سأقوي.. وما يمنع؟
الخوف؟ سأحاربه..
بالأصل انا سأقوي.. لأقتله

_نـازلـي..

تـركت صحن المكرونة الذي يقبع بين يديها وألتفتت تنظر له بأهتمام، خاصة وهي تري ملامحه الجدية والمتوترة!
_نعم!
أقترب منها، مسـك يدها بيديه و:-
_أنتِ واثقة فيـا، صح؟
لم تأخذ لحظة لتفكر.. بل أؤمات بنعم وهي تجيب بتلقائية:-
_بثق فيـك اكتر من نفسي.
أبتسم لتلك العبارة.. بسمة جديدة كليًا عليه، كأنه ك رجل شعر بالأكتمال أخيـرًا.
سـرعان ما تذكر ما ينوي قوله لها، فأبعد كل الافكار عنه وتنحنح بخفوت هاتفًا:-
_لو واثقة فيا فلازم تعرفي اني اللي هعمله دلوقتي هيبقي علشانك وبـس، وعلشان اقدر احميكي واحافظ عليكي يانازلي بصفة.. انتي عارفة انا لية بساعدك، واني بعمل كدا لأجل لا شئ، لكن محدش يعرف كدا.. مش هيستوعب اصلًا اني بساعدك.. فلازم نعمل كدا و…

كان يتحدث بسرعة وتوتر، كلام كثير.. مخربط، لم تفهمه هي، فقاطعته:-
_ممكن تهدئ وتقولي اية اللي هنعمله بقي!
تنحنح قليلًا و:-
_هـنتجوز
_أيـة!

بعـد قليـل، صـدح صوت المأذون هاتفـًا بصالون المنزل:-
_بارك الله فيكم وبارك لكم وجمع بينكم في خير

كان الصمت يحل علي كلا العروسين، فنازلي مازالت تحت تأثير صدمة ما حدث، لم تستوعبه بعـد..

مازالت تتذكر ما حدث قبل دقائق ليست بالكثيرة، ورفضها القاطع لـ الأمر، واخبار نزار لها بما قاله رشوان وبما يحاول فعله ليشوه سمعتهم ان لم تعود، أخبرها انه لا تهمه مصلحته علي الاطلاق ولا حتي سمعته وكلام الصحافة والاشاعات التي ستفوح حوله، لكنها هي من ستتأذي، اخبرها انه الخلاص الاخير، و.. انها لن تخسر شيئًا.. بعد ان يخلصها من رشوان سيخلصها منه هو ايضا.. وعدها بذلك.. وهي صدقته!

فهي لا تفعل شيئًا سوي تصديقه! هو بعيناه الصادقة يلقي عليها دومًا تعويذة تجعلها تسايره بكل صمت

لم تشعر بمغادرة الضيوف، ولا بعبارة نزار الاخيرة الجادة التي قالها لعماد:-
_عايز الخبر يتنشر في مصر كلها خلال ساعات ياعماد، ويوصل لرشوان أولهم

اؤما له عماد بطاعة وغادر

نظر نزار لطيفه الراحل لـ لحظات قبل ان يلتف وينظر لنازلي الشاردة.. ناداها وهو يقترب منها:-
_نازلي..
انتبهت له، همهمت بمعني ” نعم “، كان قد وصل لها، ضـم يداه حول اكتافها فأرتعشت بقوة بين يداه، رعشة غير طبيعية، ضيق ما بين حاجبيه بتعجب، ألتلك الدرجة تخشاه؟!
بلعت ريقها الذي جف وقد تخيلت لـ لحظات ان يد نزار خاصة لاخر، لكن سرعان ما حاولت ان تلملم جأشها، وهي توجه كامل انتباهها له هو وفقط، لـ الحاضر ليس لـ الماضي القذر الذي عانت منه و:-
_نـ.. نعـم!
رمـق ملامحها الجميلة.. لـ لحظات بعيون مفتونة، قبل ان يهمس بنبرة مليئة بالمشاعر المختلفة:-
_انا وعدتك قبل كدا اني هحميكي من رشوان، لكن دلوقتي.. بصفتي جوزك بوعدك اني هحميكي من العالم كله يانازلي، من أي حد يفكر يقرب منك او يزعلك، لازم تعرفي إن من النهاردة مش هيبقي مسموح لحد انه يقربلك ويسببلك أي أذي، لاني وقتها مش هرحمه وهندمه انه جه علي وش الدنيا اصلًا

قال أخر كلمة بنبرة وحشيـة.. مخيفة، ورغم ذلك، لم تشعر بالخوف.. بل بالأطمئنان، حديثه كله ما بعث لها سوي الأمان، شعرت بصدق تلك المرة انها حقًا باتت في أمان.. حقا هناك مَن تستند عليه.. هناك من يمكنها ان تضعف قليلا وهو سيتحمل عنها، هناك من ستقوي أيضا لتساعده في حمايتها، لتخفف العبء عنه..

لـ أول مرة، تشعر بأن قلبها يدق دقـة راحة، لا خوف.. لأول مرة تشعر حقًا انها أحبت الحياة، والفضل يعود لـ نزار!

فاقت من شرودها ونظرت له، تمنحه بسمة تنم علي ثقتها به وهي تجيبه:-
_انا واثقة انك هتعمل كدا، وانك هتحميني، انا واثقة فيك

وأقتربت بعفوية تضع قبلة علي وجنته، ثم فرت هاربة الي غرفتها..

غير عالمة لما حدث بذلك الرجل، الذي تبعثر كامل وجدانه لأجل تلك القبلة البريئة..
****
_يابن الكلـب، ازاي اتجوزها.. ازاي اتجوزها..

قال كلماته بصياح وهو يطيح بكل أغراضه التي علي المكتب أرضًا بعنف، أرتعب دياب والرجال الأخرون الواقفين بالمكتب وهم يرون حالة سيدهم الجنونية تلك، بات يلقي كل ما أمامه وعيناه تزداد قتامة، وبات يردف بكلمات غير مفهمومة:-
_علي جثتي.. علي جثتي دا يحصل، نازلي مش هتكون لحد، نازلي هترجع، لازم ترجع، لازم ترجع ولو هترجعلي ميتة ولو هترجعلي علي روح نزار الكلب، نازلي مكانها هنا، في بيتي.. بيتي وبس…

صاح وهو ينظر لـ حراسه:-
_نازلي لازم ترجع.. سامعيني؟

اؤما الجميع بخوف.. فتركهم هو وتوجه الي خارج مكتب المنزل وهو مازال يتمتم:-
_نازلي لازم ترجع، نازلي لازم ترجع..
****
بالغردقة..

بينما الأحداث مشتعلة بالقاهرة، كان زياد بتلك المدينة يستجم، غير شاعرًا وعالمًا بكل ما يحدث بين والده وشقيقته! فهو معتاد كلما يهرب من سجن والده أن يغلق كل طرق التواصل..

كان يجلس علي كرسي امام الشاطئ اعلي رأسه تقبع ” شمسية ” كبيرة عديدة الالوان تحميه من الشمس، يرتدي نظارته الشمسية ويقرأ كتاب مـا، قاطع تركيزه صوت فتاة تتحدث بجواره بصياح عالي:-
_مش موافقـة ياماما، قولت مش موافقة يعني مش موافقة، مش هتجوزه لو اخر واحد في الدنيا مش هقبل بيه..

ولم تترك لوالدتها التي تحادثها من الطرف الاخر فرصة للرد، بل اغلقت الهاتف علي الفور وهي تزفر بضيق..

لفت انتباهه حديثها، يشببه بحاله.. بصراخه الدائم ورفضه لأوامر والده، لكنه كل مرة بالنهاية يزعن له ولأوامره!

وجـد نفسه يقول لها بينما ينزع نظارته عن عيناه ويلتفت لها:-
_حاجة متطقش
ألتفتت له، فوجدته ينظر لها وعلي ما يبـدو يوجه حديثه لها، ضيقت ما بين حاجبيها وهي تقول:-
_أفندم؟!
زياد ببساطة وهو يشير الي هاتفها:-
_تحكمات الاهالي، بقيت حاجة متطقش، كل حاجة هما شايفينها صح لازم تتعمل، حتي لو انتي مش عايزاها، رأيك مش مهم..

كانت بالبداية ستلقنه درسًـا لانه تصنت علي حديثها، لكن حديثه لفت انتباهها، فتحولت نغصة جبينها من متضايقة الي اخري تنم علي تركيزها

تابع هو، وقد سعـد انه وجد من يحادثه:-
_بس.. برأيي كفاية سكوت، لان الوقت بيمر، معدوش بيفرضوا عليكي تاكلي الخضـرة بالغصب، بقيوا بيحددوا خطوات مستقبلك، ارفضي واعترضي.. متسكتيش، متخليهمش يحدووا طريقك لو مش علي هواكِ

هتفت بينما قد التمع الدمع بعيونها، وهي تنهض من مجلسها وتغادره:-
_انت متعرفش حاجة.. متعرفش اي حاجة

وغادرت..

عاد هو يقرأ كتابه بكل هدوء وهو يهتف ببسمة خفيفة:-
_هترجعي تاني، تحكيلي اللي معرفهوش دا.. القدر مش بيحب القصص الناقصة، هيكملها ويخليني اعرف وراكي اية..
****
_شوفت مراتك عملت اية فيا ياعدي؟

أؤما بنعم وقـد أحمر وجهه لكبته لضحكاته التي تكافح لـ الخروج، وهو ينظر لأحتقان وجه نغم امامه، التي هتفت بعصبية وهي تجول في المكتب يمينًا ويسارًا:-
_بقي مراتك تعطيني كتيـب بيتكلم عن حدود تعامل المرأة مع الرجال! مراتك مفكراني جاية اشقطك يااستاذ!
عـدي بعد ان اخذ نفس عميق ليكتم من خلاله ضحكاته ويستدعي جديته:-
_ما انتي اللي حاولتي توصليلها كدا يانغم!
اقتربت منه تنوي ضربه:-
_وانا عملت كدا لية؟ مش علشان الجبلة تتحرك! دي بدل ما تغير عليك، قررت تربيني
اؤما بنعم بقلة أمل وهو يتأمل كلماتها، هي فعلا لم تهتم به هو وتغير عليه.. زفـر بضيـق وهو يردد:-
_تفكري ان فعلا مفيش امل لينا مع بعض؟
_أمـم، مفتكرش خالص، هي غيرانة علي فكرة
تبسم ساخرا، لكنها تابعت:-
_والله غيرانة، بس مش عايزة تبين ليك كدا، عايزة تبعد بيننا عن طريقي ومن خلالي.. فاهم؟
ضيق ما بين حاجبيه قليلا بتفكير ليستوبب ما تقوله، اذن هي تحاول ان تداري ضيقها! والا تظهر له غيرتها
اصابه الحماس عندما وصل له ذلك التفكير، صفق يداه معا وهو يهتف:-
_لا دا احنا كدا لازم نزود العيار بقي حبة
ضحكت عليه وهي تري سعادته تلك، هتف وهو يتركها:-
_انا هروح اطمن عليها
اؤمات بنعم.. وخرج، جلست علي الاريكة وفتحت هاتفها لتتصفح اخر الاخبار، فتحت تطبيق ” الفيس بوك ” تتابع اخر الاحداث، لحظات وتوسعت عيناها زهولا وهي تهمس بصوت مصـدوم:-
_نِـزار ميـن اللي أتجوز!!!

بغرفة زهـراء..

فتح الباب وطـل منه فوجدها تحاول النهوض عن الفراش والتنقل الي كرسيها المتحرك، تقدم منها بتلهف ومـد يده ليساعدها، لكن صوتها الحاد اوقفه:-
_متحاولش تقرب مني
عدي بضيق من عِندها:-
_زهراء دا مش وقت عند، سيبيني اساعدك
اؤمات بـ لا بتصميم وهي مازالت تحاول ان تنقل جسدها من الفراش الي الكرسي، تنهد بتعب وهو يبتعد عنها وينظر لمحاولاتها تلك بحزن ووجع
هتفت ساخرة وهي تلمح نظراته تلك:-
_اية؟ صعبانة عليك!

لم يـرد، فتابعت بنبرة قاسيـة وقد نجحت اخيرا في الجلوس علي المقعد:-
_لازم اصعب عليك، ما أنت قاتل اللي كان باقيلي

هتف بصيـاح غاضب، فهي دوما ما تذكره وتلبسه فعلة لم يفعلها ولم يكن يوما ليتجرأ ويفعلها:-
_انا مقتلتش حد، سامعة؟ مقتلتش حد
زهراء بغضب:-
_لا قتلت.. انا اخر واحدة مكلماه وهو قدام شركتك، رايح يقولك تبعد عني، الله واعلم قولتله اية هناك خليته ميشوفش قدامه هو وطالع من عندك ويموت

ضحك ساخرًا، ياليته يستطيع ان يقول لها ما حدث بينهم بذلك اليوم، ولكن ان قال.. ستسـوء حالاها، ستنصدم بـ مَن ظنت انه يوما حاميها

عـدي:-
_صدقيني، انا مكنتش ولو بنسبة 1% سبب في موت اخوكي، اللي حصل في المكتب غير اللي انتي متوقعاه خالص، بس.. مش هينفع اقوله ليكي
تمعنت في كلماته قليلا تفكر بها، قبل ان تجيبه:-
_طول ما مش عايز تقول حصل اية، وتبرر فعلتك، يبقي متلومنيش علي اتهامي
ولفت بمقعدها جاعلة ظهرها يقابل وجهه، تنهد بألم.. وتوجه لـ الباب ليغادرها
وقبل ان يفعل قالت بصوت صلـب:-
_السـت اللي اتجوزتك علشانها، بـتصرف علي علاجها كويس؟

هتف قبل ان يغادر:-
_متقلقيش، مامتك كويسة، كله كويس الا انا

أغمضت عيناها بتألم بعد مغادرته، نظراته.. انهزامه ورفضه لتهمة القتل الموجهة له تقول انه برئ لكنها لا تري ذلك، هي تري انه سبب تدمير عالمها، منذ ان تقابلت طرقهم وهي تري انه سبب اوجاعها.. اوجاعها التي كان اشدهم موت شقيقها.. وياليتها تعلم ماذا فعل شقيقها قبل وفاته بساعات!
****
أنتفـض بفزع من جلسته وهو يصيح بزهـول:-
_مين؟ قولت مين؟ نِـزار الرشيـد! نازلي بنتي أتجوزت أبن عدوي الأول والأخيـر!

ووقعت الكاميـرا عليه، فظهرت ملامح رجل جديدة علينا كليًـــا..!!!!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى